فصل: القسم الثاني: توحيد الألوهية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد (نسخة منقحة)



القول المفيد على كتاب التوحيد
لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين، وعليه نتوكل.

.(كتاب التوحيد):

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: كتاب التوحيد.
لم يذكر في النسخ التي بأيدينا خطبة للكتاب من المؤلف، فإما أن تكون سقطت من النساخ وإما أن يكون المؤلف اكتفى بالترجمة لأنها عنوان على موضوع الكتاب وهو التوحيد، وقد ذكر المؤلف في هذه الترجمة عدة آيات.
والكتاب بمعنى: مكتوب أي مكتوب بالقلم، أو بمعنى مجموع من قولهم: كتيبة وهي المجموعة من الخيل.
(تعريف التوحيد):
والتوحيد في اللغة: مشتق من وحد الشيء إذا جعله واحدًا، فهو مصدر وحد يوحد، أي: جعل الشيء واحدًا.
وفي الشرع: إفراد الله- سبحانه- بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات.

.أقسامه:

ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام:
1- توحيد الربوبية. 2- توحيد الألوهية. 3- توحيد الأسماء والصفات.
وقد اجتمعت في قوله تعالى: {رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًّا} [مريم: 65].

.القسم الأول: توحيد الربوبية:

هو إفراد الله- عز وجل- بالخلق، والملك، والتدبير.
(إفراد الله- عز وجل- بالخلق):
فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر} [الأعراف: 54]، فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى: {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} [فاطر: 3]؛ فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي.
أما ما ورد من إثبات خلق غير الله؛ كقوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14]، وكقوله في المصورين: يقال لهم: «أحيوا ما خلقتم».
فهذا ليس خلقًا حقيقة، وليس إيجادًا بعد عدم، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضًا ليس شاملًا، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة؛ فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق.
وأما إفراد الله بالملك:
فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال تعالى: {ولله ملك السماوات والأرض} [آل عمران: 19]، وقال تعالى: {قل من بيده ملكوت كل شيء} [المؤمنون: 88].
وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله؛ كقوله تعالى: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 6]، وقال تعالى: {أو ما ملكتم مفتاحه} [النور: 61]، فهو ملك محدود لا يشمل إلا شيئًا يسيرًا من هذه المخلوقات؛ فالإنسان يملك ما تحت يده، ولا يملك ما تحت يد غيره، وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف؛ فالإنسان لا يملك ما عنده تمام الملك، ولهذا لا يتصرف فيه إلا على حسب ما أذن له فيه شرعًا، فمثلًا: لو أراد أن يحرق ماله، أو يعذب حيوانه؛ قلنا: لا يجوز، أما الله- سبحانه-، فهو يملك ذلك كله ملكًا عامًّا شاملًا.
وأما إفراد الله بالتدبير:
فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} [يونس: 31].
وأما تدبير الإنسان؛ فمحصور بما تحت يده، ومحصور بما أذن له فيه شرعًا. وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول، بل كانوا مقرين به، قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} [الزخرف: 9]، فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، ولم ينكره أحد معلوم من بني آدم؛ فلم يقل أحد من المخلوقين: إن للعالم خالقين متساويين.
فلم يجحد أحد توحيد الربوبية، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك، إلا ما حصل من فرعون؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة؛ فإنه عطل الله من ربوبيته وأنكر وجوده، قال تعالى حكاية عنه: {فقال أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24]، {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38]. وهذا مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره؛ كما قال تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا} [النمل: 14]، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض} [الإسراء: 102]؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله-عز وجل-.
(من أنكر توحيد الربوبية):
وأنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس، حيث قالوا: إن للعالم خالقين هما الظلمة والنور، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين، فهم يقولون: إن النور خير من الظلمة؛ لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، والذي يخلق الخير خير من الذي يخلق الشر.
وأيضًا؛ فإن الظلمة عدم لا يضيء، والنور وجود يضيء؛ فهو أكمل في ذاته.
ويقولون أيضًا بفرق ثالث، وهو: أن النور قديم على اصطلاح الفلاسفة، واختلفوا في الظلمة، هل هي قديمة، أو محدثة؟ على قولين.
دلالة العقل على أن الخالق للعالم واحد:
قال الله تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاَ لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض} [المؤمنون: 91]، إذ لو أثبتنا للعالم خالقين؛ لكان كل خالق يريد أن ينفرد بما خلق ويستقل به كعادة الملوك؛ إذا لا يرضى أن يشاركه أحد، وإذا استقل به؛ فإنه يريد أيضًا أمرًا آخر، وهو أن يكون السلطان له لا يشاركه فيه أحد.
وحينئذ إذا أرادا السلطان؛ فإما أن يعجز كل واحد منهما عن الآخر، أو يسيطر أحدهما على الآخر؛ فإن سيطر أحدهما على الآخر ثبتت الربوبية له، وإن عجز كل منهما عن الآخر زالت الربوبية منهما جميعًا؛ لأن العاجز لا يصلح أن يكون ربًّا.

.القسم الثاني: توحيد الألوهية:

ويقال له: توحيد العبادة باعتبارين؛ فاعتبار إضافته إلى الله يسمى: توحيد الألوهية، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى توحيد العبادة.
وهو إفراد الله- عز وجل- بالعبادة.
فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل} [لقمان: 30].
(تعريف العبادة):
والعبادة تطلق على شيئين:
الأول: التعبد: بمعنى التذلل لله- عز وجل- بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ محبة وتعظيمًا.
الثاني: المتعبد به؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة).
مثال ذلك: الصلاة؛ ففعلها عبادة، وهو التعبد، ونفس الصلاة عبادة، وهو المتعبد به.
فإفراد الله بهذا التوحيد: أن تكون عبدًا لله وحده تفرده بالتذلل؛ محبة وتعظيمًا، وتعبده بما شرع، قال تعالى: {لا تجعل مع الله إلهًا آخر فتقعد مذمومًا مخذولًا} [الإسراء: 22]. وقال تعالى: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2]؛ فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له؛ فهو الإله لأنه رب العالمين، وقال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم} [البقرة: 21]؛ فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة.
إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهًا تعبده؛ فهو في الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميمًا تدعوه وتعبده، وهو بحاجة إلى دعائك، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه؛ فهو لا يملك لنفسه نفعًا لا ضرًا؛ فكيف يملكه لغيره؟!
وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25].
ومع هذا؛ فأتباع الرسل قلة، قال عليه الصلاة والسلام: «فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد».
تنبيه:
من العجب أن أكثر المصنفين في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية، وكأنما يخاطبون أقوامًا ينكرون وجود الرب- وإن كان يوجد من ينكر الرب-، لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة‍‍!!.
ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون، وهم مشركون، ولا يعلمون.

.القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات:

وهو إفراد الله- عز وجل- بما له من الأسماء والصفات.
وهذا يتضمن شيئين:
الأول: الإثبات، وذلك بأن نثبت لله- عز وجل- جميع أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه في كتابه أو سنة نبيه.
الثاني: نفى المماثلة، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلًا في أسمائه وصفاته؛ كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. فدلت هذه الآية على أن جميع صفاته لا يماثله فيها أحد من المخلوقين؛ فهي وإن اشتركت في أصل المعنى، لكن تختلف في حقيقة الحال، فمن لم يثبت ما أثبته الله لنفسه؛ فهو معطل، وتعطيله هذا يشبه تعطيل فرعون، ومن أثبتها مع التشبيه صار مشابهًا للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره، ومن أثبتها بدون مماثلة صار من الموحدين.
وهذا القسم من التوحيد هو الذي ضلت فيه بعض الأمة الإسلامية وانقسموا فيه إلى فرق كثيرة؛ فمنهم من سلك مسلك التعطيل، فعطل، ونفى الصفات زاعمًا أنه منزه لله، وقد ضل، لأن المنزه حقيقةً هو الذي ينفي عنه صفات النقص والعيب، وينزه كلامه من أن يكون تعمية وتضليلًا، فإذا قال: بأن الله ليس له سمع، ولا بصر، ولا علم، ولا قدرة، لم ينزه الله، بل وصمه بأعيب العيوب، ووصم كلامه بالتعمية والتضليل، لأن الله يكرر ذلك في كلامه ويثبته، {سميع بصير}، {عزيز حكيم}، {غفور رحيم}، فإذا أثبته في كلامه وهو خال منه؛ كان في غاية التعمية والتضليل والقدح في كلام الله- عز وجل-، ومنهم من سلك مسلك التمثيل زاعمًا بأنه محقق لما وصف الله به نفسه، وقد ضلوا لأنهم لم يقدروا الله حق قدره؛ إذا وصموه بالعيب والنقص، لأنهم جعلوا الكامل من كل وجه كالناقص من كل وجه.
وإذا كان اقتران تفضيل الكامل على الناقص يحط من قدره، كما قيل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره ** إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

فكيف بتمثيل الكامل بالناقص؟! هذا أعظم ما يكون جنايةً في حق الله- عز وجل-، وإن كان المعطوف أعظم جرمًا، لكن الكل لم يقدر الله حق قدره.
(الواجب نحو أسماء الله وصفاته):
فالواجب: أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم.
(ضلال أهل التحريف):
فالتحريف في النصوص، والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل في الصفة، إلا أنه أخص من التكييف؛ فكل ممثل مكيف، ولا عكس، فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه الأمور الأربعة.
ونعني بالتحريف هنا: التأويل الذي سلكه المحرفون لنصوص الصفات؛ لأنهم سموا أنفسهم أهل التأويل، لأجل تلطيف المسلك الذي سلكوه؛ لأن النفوس تنفرُ من كلمة تحريف، لكن هذا من باب زخرفة القول وتزيينه للناس، حتى لا ينفروا منه.
وحقيقة تأويلهم: التحريف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره؛ فنقول: هذا الصرف إن دل عليه دليل صحيح؛ فليس تأويلًا بالمعنى الذي تريدون، لكنه تفسير.
وإن لم يدل عليه دليل؛ فهو تحريف، وتغيير للكلم عن مواضعه؛ فهؤلاء الذين ضلوا بهذه الطريقة، فصاروا يثبتون الصفات لكن بتحريف؛ قد ضلوا، وصاروا في طريق معاكس لطريق أهل السنة والجماعة.
وعليه لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة؛ لأن الإضافة تقتضي النسبة، فأهل السنة منتسبون للسنة؛ لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف.
وأيضًا الجماعة في الأصل: الاجتماع، وهم غير مجتمعين في آرائهم؛ ففي كتبهم التداخل، والتناقض، والاضطراب، حتى إن بعضهم يضلل بعضًا، ويتناقض هو بنفسه.
وقد نقل شارع (الطحاوية) عن الغزالي- وهو ممن بلغ ذروة علم الكلام- كلامًا إذا قرأه الإنسان تبين له ما عليه أهل الكلام من الخطأ والزلل والخطل، وأنهم ليسوا على بينة من أمرهم.
وقال الرازي وهو من رؤسائهم:
نهايــــة إقــــــدام العقـــول عقال ** وأكثر سعي العالمين ضـــلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا ** وحاصل دنيانــــــا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ثم قال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلًا، ولا تروي غليلًا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] {إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10]؛ يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11]، {ولا يحيطون به علمًا} [طه: 110]؛ يعني: فأنفي المماثلة، وأنفي الإحاطة به علمًا، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
فتجدهم حيارى مضطربين، ليسوا على يقين من أمرهم، وتجد من هداه الله الصراط المستقيم مطمئنًا منشرح الصدر، هادئ البال، يقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله، ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات؛ فيثبت؛ إذ لا أحد أعلم من الله بالله، ولا أصدق خبرًا من خبر الله، ولا أصح بيانًا من بيان الله؛ كما قال تعالى: {يريد الله ليبين لكم} [النساء: 26]، {يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: 176]، {ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء} [النحل: 89]، {ومن أصدق من الله قيلًا} [النساء: 122]، {ومن أصدق من الله حديثًا} [النساء: 87]. فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الله يبين للخلق غاية البيان الطريق التي توصلهم إليه، وأعظم ما يحتاج الخلق إلى بيانه ما يتعلق بالله تعالى وبأسماء الله وصفاته حتى يعبدوا الله على بصيرة؛ لأن عبادة من لم نعلم صفاته، أو من ليس له صفة أمر لا يتحقق أبدًا؛ فلابد أن تعلم من صفات المعبود ما تجعلك تلتجئ إليه وتعبده حقًا.
ولا يتجاوز الإنسان حده إلى التكييف أو التمثيل؛ لأنه إذا كان عاجزًا عن تصور نفسه التي بين جنبيه؛ فمن باب أولى أن يكون عاجزًا عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه، ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ: (لِمَ) و:(كيف) فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية.
وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيرًا، وهذه حال السلف رحمهم الله، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبد الله! {الرحمن على العرش استوى}، كيف استوى؟ فأطرق برأسه وقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا).
أما في عصرنا الحاضر؛ فنجد من يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا؛ لأن الليل يمشي على جميع الأرض؛ فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر، وهذا لم يقله الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن؛ لبينه الله إما ابتداءً أو على لسان رسوله: أو يقيض من يسأله عنه فيجاب، كما سأل الصحابة رسول الله أين كان الله قبل أن يخلق السماوات والأرض، فأجابهم.
فهذا السؤال العظيم يدل على أن كل ما يحتاج إليه الناس فإن الله يبينه بأحد الطرق الثلاثة.
والجواب عن الإشكال في حديث النزول: أن يقال: ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقيًا، فالنزول فيها محقق، وفي غيرها لا يكون نزول قبل ثلث الليل الأخير أو النصف، والله- عز وجل- ليس كمثله شيء، والحديث يدل على أن وقت النزول ينتهي بطلوع الفجر.
وعلينا أن نستسلم، وأن نقول: سمعنًا، وأطعنا، واتبعنا، وآمنا؛ فهذه وظيفتنا لا نتجاوز القرآن والحديث.